روى الصّدوق في الفقيه ، قال : اذا أردت زيارته فاغتسل وتنظف والبس ثوبين طاهرين وقُل في زيارته :
اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الاِْمامِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ الرِّضِيِّ الْمَرْضِيِّ وَحُجَّتِكَ عَلى مَنْ فَوْقَ الاَْرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الثَّرى، صَلاةً كَثيرَةً نامِيَةً زاكِيَةً مُبارَكَةً مُتَواصِلَةً مُتَرادِفَةً مُتَواتِرَةً، كَاَفْضَلِ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد مِنْ اَوْلِيائِكَ، وَاَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اِمامَ الْمُؤْمِنينَ وَوارِثَ عِلْمِ النَّبِيّينَ وَسُلالَةَ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ الاَْرْضِ، اَتَيْتُكَ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ مُعادِياً لاَِعْدائِكَ مُوالِياً لاَِوْلِيائِكَ فَاشْفَعْ لي عِنْدَ رَبِّكَ .
ثمّ سل حاجتك ثمّ صلّ في القُبّة الّتي فيها قبر مُحمّد بن عليّ (عليهما السلام) عند رأسه اربع ركعات ، ركعتين لزيارة موسى الكاظم (عليه السلام) وركعتين لزيارة محمّد التّقي (عليهما السلام) ولا تصلّ عند رأس موسى الكاظم فانّه يقابل قبُور قريش ولا يجوز اتّخاذها قبلة .
أقول : يبدو من كلام الشّيخ الصّدوق انّ قبر الامام الكاظم (عليه السلام) كان مفرزاً عن قبر الامام الجواد (عليه السلام)،فكان ينفرد بقُبّة مستقلّة وباب خاصّ فالزّائر يخرج منها ليدخل تحت قُبّة الجواد (عليه السلام) الّتي كانت ذات بناء خاص وأمّا الزّيارات المشتركة بين هذين الامامين الهمامين فهي ايضاً نوعان :
الاوّل : ما يُزار به كلّ واحد منهُما (عليهما السلام) منفرداً .
روى الشّيخ الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي في كتاب كامل الزّيارة عن الامام عليّ النّقي (عليه السلام) قال : قُل في زيارة كلّ من الامامين :
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا نُورَ اللهِ في ظُلُماتِ الاَْرْضِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَنْ بَدا للهِ في شَأنِهِ اَتَيْتُكَ زائِراً عارِفاً بِحَقِّكَ مُعادِياً لاَِعْدائِكَ مُوالِياً لاَِوْلِيائِكَ فَاشْفَعْ لي عِنْدَ رَبِّكَ يا مَوْلايَ .
وهذه الزّيارة معتبرة غاية الاعتبار وقد رواها ايضاً الصّدوق والكليني والطّوسي مع اختلاف يسير .
الثّاني : ما يُزار به كلا الامامين (عليهما السلام) معاً وهي كما يلي :
قال المفيد والشّهيد ومحمّد ابن المشهدي: تقول في زيارتهما(عليهما السلام) اذا وقفت عند الضّريح الطّاهر :
اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا وَلِيَّيِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا حُجَّتَيِ اللهِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا نُورَيِ اللهِ في ظُلُماتِ الاَْرْضِ، اَشْهَدُ اَنَّكُما قَدْ بَلَّغْتُما عَنِ اللهِ ما حَمَّلَكُما، وَحَفِظْتُما مَا اسْتَودَعْتُما، وَحَلَّلْتُما حَلالَ اللهِ وَحَرَّمْتُما حَرامَ اللهِ، وَاَقَمْتُما حُدُودَ اللهِ، وَتَلَوْتُما كِتابَ اللهِ، وَصَبَرْتُما عَلَى الاَْذى في جَنْبِ اللهِ مُحْتَسبَيْنَ حَتّى اَتاكُمَا الْيَقينُ، اَبْرَأُ اِلَى اللهِ مِنْ اَعْدائِكُما، وَاَتَقَرَّبُ اِلَى اللهِ بِوِلايَتِكُما، اَتَيْتُكُما زائِراً عارِفاً بِحَقِّكُما، مُوالِياً لاَِوْلِيائِكُما، مُعادِياً لاَِعْدائِكُما مُسْتَبْصِراً بِالْهُدَى الَّذي اَنْتُما عَلَيْهِ، عارِفاً بِضَلالَةِ مَنْ خالَفَكُما، فَاشْفَعا لي عِنْدَ رَبِّكُما فَاِنَّ لَكُما عِنْدَ اللهِ جاهاً عَظيماً وَمَقاماً مَحْمُوداً.
ثمّ قبّل التّربة الشّريفة وضع خدّك الايمن عليها ثمّ تحوّل الى جانب الرّأس المقدّس فقُل :
اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا حُجَّتَيِ اللهِ في اَرْضِهِ وَسَمائِهِ، عَبْدُكُما وَوَلِيُّكُما زائِرُكُما مُتَقَرِّباً اِلَى اللهِ بِزِيارَتِكُما، اَللّـهُمَّ اجْعَلْ لي لِسانَ صِدْق في اَوْلِيائِكَ الْمُصْطَفَيْنَ، وَحَبِّبْ اِلَيَّ مَشاهِدَهُمْ وَاجْعَلْني مَعَهُمْ في الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ، ثمّ صلّ ركعتين لزيارة كلّ امام وادعُ بما أحببت .
أقول : كان عصر صُدور هذه الزّيارات عصر التقيّة الشّديدة ولاجل ذلك كان المعصومون (عليهم السلام) يعلّمون الشّيعة زيارات قصيرة صيانة لهم عن طاغية الزّمان، فالزّائر إن طلب زيارة طويلة فليقرأ الزّيارات الجامعة الاتية وهي خير ما يُزاران بها ولا سيّما الزّيارة الاُولى منها حيث يظهر من روايتها انّ لها مزيد اختصاص بالامام الكاظم (عليه السلام)، واذا شاء الزّائر أن يخرج من بلدهما(عليهما السلام) فليودّعهما(عليهما السلام) بدعوات الوداع، ومن تلك الدّعوات ما رواه الطّوسي(رحمه الله)في التّهذيب قال : اذا أردت أن تودع الامام مُوسى (عليه السلام) فقِف عند القبر وقُل :
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا اَبَا الْحَسَنِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَاَقْرَأُ، عَلَيْكَ السَّلامَ آمَنّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِما جِئْتَ بِهِ وَدَلَلْتَ عَلَيْهِ، اَللّـهُمَّ اَكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ. وتقول أيضاً في وداع الامام محمد التقي(عليه السلام): السَّلامُ عَلَيكَ يا مَولايَ يا ابْنَ رَسُولِ الله ورَحمَةُ اللهِ وَبَركاتُهُ أسْتَوْدِعُكَ اللهَ وأقْرأُ عَلَيْكَ السَّلامَ آمَنّا باللهِ وبِرَسُولِهِ وبِما جِئْتَ بِهِ وَلَلْتَ عَلَيْهِ، الَّلهُمَّ اُكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ.
وتقول ايضاً في وداع الامام محمّد التّقي (عليه السلام):
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مَوْلايَ يا بْنَ رَسُولِ اللهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَسْتَوْدِعُكَ اللهَ وَاَقْرَءُ عَلَيْكَ السَّلامُ آمَنّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَبِما جَئْتَ بِهِ وَدَلَلْتَ عَلَيْهِ اَللّـهُمَّ اَكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدينَ .
ثمّ سل الله تعالى أن لا تكون هذه آخر عهدك من زيارتهم وأن توفّق للعود، وقبل القبر وضَع خدّيك عليه .
أقول : ممّا يناسب المقام قصّة السّعيد الصّالح الصّفيّ المتّقي الحاج عليّ البغدادي الّتي أوردها شيخنا في جنّة المأوى والنّجم الثّاقب، وقال في كتاب النّجم الثّاقب: انّه لو لم يكن في هذا الكتاب سوى هذه القصّة المتقنة الصّحيحة الحاوية على فوائد جمّة الحادثة في عصرنا لكفاه شرفاً ونفساً، ثمّ قال بعدما مهّده من المقدّمات : حكى الحاج علي أيّده ا لله قائلاً: تراكم في ذمّتي من سهم الامام (عليه السلام) من الخمس مبلغ ثمانين توماناً، فرحلت الى النّجف الاشرف ودفعت منها الى علم الهُدى والتّقي حضرة الشّيخ مرتضى أعلى الله مقامه عشرين توماناً، والى حضرة الشّيخ محمّد حسين المجتهد الكاظمي عشرين توماناً، والى حضرة الشّيخ محمّد الشّروقي عشرين توماناً، ولم يبق عليّ سوى عشرين توماناً كنت أروم أن اقدّمها اذا قفلت من النّجف الى الشّيخ محمّد حسن آل يس الكاظمي أيّده الله، ووددت لمّا وافيت بغداد أن أُبادر الى أداء ما استمرّ عليّ من السّهم، فتوجّهت الى الكاظميّة وكان اليوم يوم الخميس فزرت الامامين الهمامين الكاظمين (عليهما السلام)ثمّ وافيت حضرة الشّيخ سلّمه الله فنقدته شطراً من العشرين توماناً وأوعدته بانّ أؤدّي الباقي اذا بعت بعض البضائع بأن أبذله الى مستحقّه حسب ما يحيله عليّ بالتّدريج، ثمّ أزمعت على مغادرة الكاظميّة ورفضت ما الحّ فيه حضرة الشّيخ من البقاء معتذراً بأن عليّ أن أوفيّ عمّال معمل النّسيج أجورهم حسب ما قررت عليه من بذل أجر عمل الاسبوع في يوم الخميس عصراً، فأخذت أسلك طريقي الى بغداد، فلمّا قاربت ثلث الطّريق اذاً أنا بسيّد جليل من السّادة يعرّج عليّ في طريقه الى الكاظميّة فدنى منّي وسلّم عليّ وبسط يده للمصافحة والمعانقة ورحّب بي قائلاً: أهلاً وسهلاً وضمّني الى صدره وتلاثمنا، وكان قد تعمّم بعمامة خضراء زاهرة وفي وجهه الشّريف شامة كبيرة سوداء فتوقّف وقال: خير أيّها الحاج علي أين المقصد؟ فأجبته : قد زُرت الكاظمين (عليهما السلام)وأنا الان ماض الى بغداد ، فقال لي : عُد الى الكاظمين (عليه السلام)فهذه ليلة الجمعة ، قلت : لا يسعني العود ، فأجاب : ذلك في وسعك عُد كي اشهد لك بانّك من الموالين لجدّي امير المؤمنين (عليه السلام) ولنا ويشهد لك الشّيخ ، فقد قال تعالى : واستشهدوا شهيدين، وكان هذا تلميحاً الى ما كنت أتوخاه من التماس الشّيخ أن يمنحني رقعة أجعلها في كفني يشهد لي فيها بانّي من الموالين لاهل البيت (عليهم السلام)، فسألته من أين عرفتني وكيف تشهد لي . فأجاب : وكيف لا يعرف المرء من وافاه حقّه ، قلت : وأيّ حقّ هذا الّذي تعنيه ؟ فأجاب : ما بذلته لوكيلي ، قلت : ومن هو ، قال : الشّيخ محمّد حسن ، فقلت : أهو وكيلك ؟ أجاب : هو وكيلي وكذلك السّيد محمّد ، قال الحاج علي: ما كنت أعرف صاحبي هذا ولكنّه كان قد دعاني باسمي فاحتملت أن تكون بيننا معرفة سابقة وقلت أيضاً في نفسي: انّه يطالبني بشيء من الخمس ووددت أن أبذل له من سهم الامام (عليه السلام) فقُلت : يا أيّها السّيد انّه قد بقي في ذمّتي من حقّكم شيء (أي حقّ السّادة) وقد راجعت في ذلك حضرة الشّيخ محمّد حسن كي أؤدّيه اليكم باذنه، فتبسّم في وجهي قائلاً : نعم قد أبلغت شطراً من حقّنا الى وكلائنا في النّجف الاشرف ، فقلت : هل قُبل ما أدّيته ؟ قال : نعم ، ثمّ انتبهت الى انّ صاحبي هذا يعبّر عن اعاظم العلماء بكلمة وكلائي فاستكبرت ذلك ثمّ قلت في نفسي : العلماء وكلاء السّادة في قبض حقوقهم ثمّ اعترضتني الغفلة ، انتهى .
ثمّ قال لي : عُد الى زيارة جدّي فطاوعته وعُدت معه وكنت قابضاً على يده اليمنى بيدي اليسرى ، فلمّا استأنفنا المسير وجدت نهراً الى جانبنا الايمن يجري بماء زلال ووجدت اشجار اللّيمون والرّارنج والعنب والرّمان وغيرها تظلّنا من فوق رؤوسنا وكلّها مثمرة معاً في غير مواسمها، فسألته عن النّهر والاشجار ، فقال: انّها تصاحب كلّ مُوال من موالينا اذا زار جدّنا وزارنا، فقلت له : مسألة أريد سؤالها، قال : سل، قلت : انّ الشّيخ عبد الرّزاق (رحمه الله) كان ممّن يزاول التّدريس وقد وافيته يوماً فسمعته يقول : من دأب في حياته على صيام النّهار وقيام اللّيل وحجّ اربعين حجّة واعتمر أربعين عُمرة ثمّ وافته المنون وهو بين الصّفا والمروة ولم يكن هو من الموالين لامير المؤمنين (عليه السلام) ما كان له شيء من الاجر. فأجاب : نعم والله ما كان له شيء. ثمّ سألته عن بعض أقربائي هل هو من الموالين لامير المؤمنين (عليه السلام) ، فأجاب : نعم هو ومن يتّصل بك ، ثمّ قلت : سيّدنا مسألة، قال:سل ، قلت له : يقول خطباء مأتم الحسين (عليه السلام) انّ سليمان الاعمش أتى رجلاً يسأله عن زيارة سيّد الشّهداء (عليه السلام) فأجابه الرّجل انّها بدعة ثمّ رأى في المنام هودجاً بين السّماء والارض فسأل عن الهودج فأجيب بأنّ فيه فاطمة الزّهراء وخديجة الكبرى (عليهما السلام) فسأل أين تذهبان، فأجيب الى زيارة الحسين (عليه السلام) في هذه اللّيلة وهي ليلة الجمعة، وشاهد رقعاً تتساقط الى الارض من ذلك الهودج كتب فيها اَمانٌ مِنَ النّارِ لِزُوّارِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ في لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، اَمانٌ مِنِ النّارِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، فهل صحيح هذا الحديث ؟ قال : نعم تامّ صحيح . قلت : سيّدنا أصحيح ما يُقال من انّ من زار الحسين (عليه السلام) ليلة الجمعة كان آمناً ؟ قال : نعم ، ودمعت عيناه وبكى ، قلت : سيّدنا مسألة ، قال : سل ، قلت : قد زُرنا الرّضا (عليه السلام) سنة ألف ومائتين وتسع وستّين فصادفنا في بلدة درود أحد الشّرُوقيّين (وهم قوم من العرب يسكنون البادية الشّرقيّة للنّجف الاشرف) فاضفناه وسألناه عن ولاية الرّضا(عليه السلام)، فقال: هي الجنّة، وقال : هذا هو الخامس عشر من ايّام اقتات فيها بطعام الرّضا(عليه السلام) فكيف يجرأ منكر ونكير أن يدنوا منّي في قبري انّه قد نبت لحمي وعظمي من طعام الرّضا(عليه السلام)في دار ضيافته، فهل صحيح انّ الرّضا(عليه السلام) يوافيه في قبره وينجيه من منكر ونكير؟ فأجاب : نعم والله انّ جدّي الضّامن ، قلت : سيّدنا مسألة قصيرة شئت أسألها ، قال : سل ، قلت : زيارتي للرّضا (عليه السلام) هل هي مقبُولة؟ أجاب : مقبولة ان شاء الله ، قلت : سيّدنا مسألة ، قال : سل بسم الله ، قلت : وهل قُبلت زيارة الحاج محمّد حسين البزّاز (بزّاز باشى) ابن المرحوم الحاج احمد البّزاز (بزّاز باشى) وقد رافقته في طريقي الى مشهد الرّضا (عليه السلام) فكنّا شريكين في النّفقة ؟ قال : زيارة العبد الصّالح مقبولة ، قلت : سيّدنا مسألة ، قال : سل بسم الله ، قلت : وهل قُبلت زيارة فلان من أهالي بغداد وكان معنا في طريقنا الى خراسان، فسكت ولم يجب ، قلت : سيّدنا مسألة ، قال : سل بسم الله ، قلت : هل سمعت مسألتي السّابقة؟ هل قُبلت زيارة الرّجل؟ فلم يجبني ، قال: الحاج عليّ انّ الرّجل كان هو واخلاّؤه في الطّريق من أهالي بغداد المترفين وكانوا في رحلتهم هذه يدأبون في اللّعب واللّهو وكان هو قاتل امّه .
ثمّ بلغنا متّسعاً من الطّريق يواجه مدينة الكاظمين (عليه السلام) محاطاً بالبساتين من الجانبين وكان شطر من هذه الجادة يقع على يمين القادم من بغداد ملكاً لبعض الايتام من السّادة وقد اغتصبته الحكومة فجعله جزءاً من الطّريق العام، فكان الورع التّقي من أهالي بغداد والكاظميّة يحذر المسير في هذا الشّطر من الجادة، فرأيت صاحبي هذا لا يأبى الجري عليه ، فقلت له : سيّدي هذا الموضع ملك لبعض الايتام من السّادة ولا ينبغي التّصرّف فيه ، فأجاب: هو لجدّي امير المؤمنين (عليه السلام) وذرّيّته وأولادنا ويحلّ التّصرف فيه لموالينا، وكان على الجانب الايمن قُرب هذا الموضِع بستان لرجل يدعى الحاج ميرزا هادي وكان ثرياً من أثرياء العجم المشهورين وكان يسكن بغداد ، فقلت : سيّدنا هل صحيح ما يقال انّ هذا البستان أرضه للامام موسى بن جعفر (عليهما السلام)؟ قال : ما شأنك وهذا، وأعرض عن الجواب ، ثمّ بلغنا ساقية مدّت من نهر دجلة لريّ المزارع والبساتين وهي تقاطع الجادة فتنشعب هُناك المسلك الى المدينة شعبتين هما الشّارع السّلطاني وشارع السّادة، فتوجّه صاحبي الى شارع السّادة فدعوته الى الشّارع السّلطاني فرفض وقال: لنسر في شارعنا هذا، فما خطونا خطوات الاّ ووجدنا أنفسنا في الصّحن المقدّس عند منزع الاحذية (الكيشوانيّة) من دون أن نمرّ بسوق أو زقاق، فدخلنا الايوان من جانب باب المراد شرقاً ممّا يلي الرّجل فلم يمكث صاحبي للاستئذان لدخول الرّواق الطّاهر وورد من دون الاستئذان، ثمّ وقف على باب الحرم الشّريف فخاطبني وقال : زُر ، قلت : انّي لا أعرف القراءة ، قال : فأقرأ لك الزّيارة ؟ قلت : نعم ، فقال : أَاَدْخُلُ يا اَللهُ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ، (وسلّم على الائمة واحداً فواحداً حتّى بلغ الامام العسكري (عليه السلام) فقال:) اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ الْعَسْكَرِيَّ، ثمّ خاطبني قائلاً : أتعرف امام عصرك ؟ أجبت : وكيف لا أعرفه ، قال : فسلّم عليه، فقلت: اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ يا صاحِبَ الزَّمانِ يا بْنَ الْحَسَنِ، فتبسّم وقال : عَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، فدخلنا الحرم الطّاهر وانكببنا على الضّريح المقدّس وقبّلناه ثمّ قال لي : زُر ، قلت : لا أعرف القراءة ، قال : فأقرأ لك الزّيارة؟ قلت: نعم ، قال : في أي الزّيارات ترغب؟ قلت : اقرأ عليَّ ما هو أفضل الزّيارات ، فقال : زيارة امين الله هي الفضلى، ثمّ أخذ يزُور بها قائلاً: اَلسَّلامُ عَلَيْكُما يا اَمينَيِ اللهِ في اَرْضِهِ وَحُجَّتَيْهِ عَلى عِبادِهِ .. الخ واُجّجت حينئذ مصابيح الحرم الشّريف فشاهدت الشّموع لا تؤثر ضياءً في تلك البُقعة الشّريفة فكأنّها مشرقة بنور الشّمس والشّموع تبدو كما لو اُجّجت في وضح النّهار هذا وأنا ذاهِل عن هذه الايات فلا أنتبه اليها، فلمّا انتهى من الزّيارة دار من سمت الرّجل الى خلف القبر الشّريف فوقف في الجانب الشّرقي وقال : هل تزُور جدّي الحسين (عليه السلام) ؟ قلت : نعم أزُوره (عليه السلام)فهذه ليلة الجُمعة، فزاره (عليه السلام)بزيارة وارث وانتهى المؤذّن حينئذ من أذان المغرب ، فقال لي صاحبي : صلّ والتحق بالجماعة فأتى المسجد الواقع خلف القبر الشّريف وقد أقيمت هُناك صلاة الجماعة ووقف هو منفرداً الى يمين الامام محاذياً له ، أمّا أنا فوجدت مكاناً في الصّف الاوّل ووقفت هُناك مصلّياً مع الجماعة فلمّا فرغت من الصّلاة لم أجد صاحبي فخرجت من المسجد وفتّشت عنه الحرم الشّريف فلم أجده وكنتُ أنوي أن أبذل له عدّة قرانات واستضيفه تلك اللّيلة واذا أنا أفيق من غفلتي وأنتبه، فأشخص السّيد الّذي صحبني فتتوالى في خاطري الايات والمعجزات التي مرّت بي فقد انقادت له نفسي فعدت معه الى الكاظمين (عليهما السلام) غير مبال بما كان يصدّني عن ذلك من الامر الهام في بغداد وقد دعاني باسمي ولم أكن قد رأيته من قبل وقد عبّر بكلمة الموالين لنا وقال ايضاً: أنا اشهد لك، وقد أبدى لي النّهر الجاري والاشجار المثمرة في غير مواسمها، فهذه الشّواهد الواضحة وغيرها ممّا شهدت تورث لي القطع واليقين بأنّه هو الامام المهدي (عليه السلام) ولا سيّما انّه سألني : هل تعرف امام زمانك ؟ قلت : نعم ، فقال : سلّم عليه ، فلمّا سلّمت تبسّم وردّ هو عليّ السّلام ثمّ أتيت حافظ الاحذية (الكيشوان) وسألته عن صاحبي ، فأجاب : قد خرج وسألني أكان هو صاحبك ؟ قلت : نعم ، ثمّ أويت الى البيت الّذي كنت أحلّ بها ضيفاً فبتّ فيه ليلتي فلمّا أصبح الصّباح توجّهت الى حضرة الشّيخ محمّد حسن وقصصت له قصّتي، فوضع يده على فيه ونهاني عن افشاء القصّة وقال لي : وفّقك الله فكنت أكتمها ولا اُنبىء بها أحداً، وبعد شهر من حدوثها شاهدت يوماً في الحرم الطّاهر سيّداً جليلاً يدنُو منّي ويسألني ماذا حدث لك ويلمح الى القصّة فأنكرتها قائلاً : لم يحدث لي شيء ، فأعاد عليَّ كلامه فاشتدّ انكاري لها ، ثمّ غاب عن بصري ولم أره بعد ، انتهى .
اعلم انّ جامع براثا من المساجد المعروفة المباركة وهو واقع على الطّريق بين الكاظميّة وبغداد على الطّريق الّذي يسلكه الوافدون لزيارة الاعتاب المقدّسة في العراق من دون مبالاة بالمسجد الّذي يمرّون عليه ، على ما روي له من الفضل والشّرف الرّفيع .
قال الحموي وهو من مورّخي سنة ستمائة في كتابه مُعجم البلدان : براثا محلّة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول وكان لها جامع مفرد تصلّي فيه الشّيعة وقد خربت عن آخرهما وقال : كانت الشّيعة قبل الرّاضي بالله الخليفة العبّاسي يجتمع فيه قوم منهم يسبّون الصّحابة فكبسه الرّاضي بالله وأخذ مَنْ وجده فيه وحبسهم وهدمه حتّى سوّى به الارض، وأنهى الشّيعة خبره الى حكم الماكاني امير الامراء ببغداد، فأمر باعادة بنائه وتوسيعه واحكامه وكتب في صدره اسم الرّاضي، ولم تزل الصّلاة تقام فيه الى بعد الخمسين وأربعمائة، ثمّ تعطّلت الى الان وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية يزعمون انّ عليّاً (عليه السلام) مرّ بها لما خرج لقتال الحروريّة بالنّهروان وصلّى في موضع من الجامِع المذكور، وانّه دخل حمّاماً كان في هذه القرية، وينسب الى براثا هذه أبو شعيب البراثي العابد كان أوّل من سكن براثا في كوخ يتعبّد فيه فمرّت بكوخه جارية من ابناء الكتاب الكبار وابناء الدّنيا كانت ربيت في القُصور، فنظرت الى أبي شعيب فاستحسنت حاله وما كان عليه فصارت كالاسير له، فجاءت الى أبي شعيب وقالت : أريد أن أكون لك خادمة ، فقال لها : إن أردتِ ذلك فتعرّي من هيئتك وتجرّدي عمّا أنت فيه حتّى تصلحي لما أردتِ، فتجرّدت (السّعيدة) عن كلّ ما تملكه ولبست لبسة النّساك وحضرته فتزوّجها، فلمّا دخلت الكوخ رأت قطعة خصاف كانت في مجلس أبي شعيب تقيه من النّدى ، فقالت : ما أنا بمقيمة عندك حتّى تخرج الخصاف لانّي سمعتك تقول : انّ الارض تقول : يَا ابْنَ آدَمَ تَجْعَلُ بَيْنِى وَبَيْنَكَ حِجاباً وَاَنْتَ غَداً في بَطْني ، فرماها أبو شعيب ومكثت عنده سنين يتعبّدان أحسن العبادة وتوفّيا على ذلك .
أقول : قد حدّثنا في كتاب هديّة الزّائر في فضل هذا المسجد الشّريف وقلنا هُناك انّ لهذا المسجد كما يبدو من مجموع هذه الاحاديث فضائل عديدة تكفي احداها لو حازها مسجد من المساجد أن تشدّ اليه الرّحال وتطوي المراحل ابتغاء رضوان الله بالصّلاة فيه والدّعاء :
الاُولى : انّ الله تعالى أقرّ أن لا ينزله بجيشه الاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ .
الثّانية : انّه بيت مريم .
الثّالثة : انّه أرض عيسى (عليه السلام) .
الرّابعة : انّ فيه العين الّتي نبعت لمريم .
الخامسة : انّ أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه أبان تلك العين باعجازه .
السّادسة : انّ فيهِ صخرة بيضاء مباركة عليها وضعت مريم عيسى (عليه السلام)من عاتقها .
السّابعة : انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كشف باعجازه عن تلك الصّخرة فنصبها الى القبلة وصلّى اليها .
الثّامنة : صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وابنيه الحسن المجتبى وسيّد الشّهداء (عليهم السلام) فيه .
التّاسعة : انّ امير المؤمنين (عليه السلام) أقام هناك أربعة أيّام .
العاشرة : انّه صلّى فيه الانبياء لا سيّما النّبي خليل الرّحمن (عليه السلام) .
الحادية عشرة : انّ هناك قبر نبيّ من الانبياء ولعلّه يوشع (عليه السلام) ، فقد قال الشّيخ رحمة الله عليه: انّ قبره في الفسحة المقابلة لمسجد براثا .
الثّانية عشرة : انّ فيه قد رُدّت الشّمس لامير المؤمنين (عليه السلام)، والغريب انّ المسجد بما له من الفضل والشّرف الرّفيع وبما بدا فيه من الايات الالهيّة والمعجزات الحيدريّة قد عفاه معظم الوافدين لزيارة الاعتاب المقدّسة في العراق وهو لم يكن في ناحية منعزلة وانّما هو واقع على طريقهم الّذي يجتازونه مراراً عديدة ، فلم يعهد أن يؤمّه فرد واحد من كلّ ألف من الزّوار وقد يتّفق انّ زائراً من الزّوار يتوجّه اليه متوخياً عظيم فضل الله فيه، فاذا وافاه والباب مغلق فاقتضى فتح الباب أن يبذل نزراً يسيراً من المال تماسك عنه وتضايق وأغمظ عن عظيم الاجر وهو لا يحجم عن بذل الجزيل لمشاهدة مدينة بغداد وصروح الجبابرة فيها ، فضلاً عن المبالغ الطّائلة الّتي ينفقها في فضول المعاش وفي التّعامل مع يهود بغداد على أمتعتهم النّحسة النّجسة الّتي صارت ابتياعها كالجزء المكمّل لزيارة معظم الزّائرين والله المستعان .
وهم أبو عمرو عثمان بن سعيد الاسدي ، وأبو جعفر محمّد بن عثمان ، والشّيخ أبو القاسم حسين بن روح النّوبختي ، والشّيخ الجليل أبو الحسن علي بن محمّد السّمري رضي الله عنهم .
اعلم انّ من وظائف الوافدين لزيارة الاعتاب المقدّسة في العراق أثناء اقامتهم في مدينة الكاظمين (عليهما السلام) الطّيّبة هو التّوجه الى بغداد لزيارة هؤلاء النّواب الاربعة الّذين نابُوا عن الحجّة المنتظر امام العصر صلوات الله عليه، وزيارة قبورهم لا يتطلّب من الزّائر بذل كثير من الجُهد فهي مجتمعة في بغداد غير بعيدة عن الوافدين من الزّوار، وهي لو كانت منتشرة في أقاصي البلاد لكان يحقّ أن يشّد اليها الرّحال ويطوى في سبيلها المسافات الشّاسعة ويتحمّل متاعب السّفر وشدائده لنيل ما في زيارة كلّ منها من الاجر العظيم والثّواب الجزيل، وهم قد فاقوا جميع اصحاب الائمّة (عليهم السلام)وخواصهم مرتبة وفضلاً وفازوا بالنّيابة عن الامام (عليه السلام) وسفارته والوساطة بينه وبين الرّعية خلال سبعين سنة، وقد جرى على أيديهم كرامات كثيرة وخوارق لا تحصى، ويعزى الى بعض العلماء القول بعصمتهم وغير خفيّ انّهم في مماتهم ايضاً وسائط، فمن اللاّزم أن يبلغ الامام (عليه السلام) ما تكتب في الحاجات والشّدائد من الرّقاع عن طريقهم وبوسيلتهم كما عُرف في محلّه، والخلاصة انّ عظيم فضلهم ومنزلتهم ممّا لا يحدّه البيان وحسبنا ما ذكرناه ترغيباً الى زيارتهم .
وامّا صفة زيارتهم فهي كما ذكرها الطّوسي (رحمه الله) في التّهذيب والسّيد ابن طاوُس (رحمه الله) في مصباح الزّائر مسنداً الى أبي القاسم حُسين بن روح (رحمه الله) حيث قال في صفة زيارتهم: يسلّم على رسول الله وعلى امير المؤمنين بعده وعلى خديجة الكبرى وعلى فاطمة الزّهراء وعلى الحسن والحسين وعلى الائمة (عليهم السلام)الى صاحب الزّمان صلوات الله عليه ثمّ تقول : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا فُلانَ بْنَ فُلان وتذكر اسم صاحب القبر واسم أبيه وتقول :
اَشْهَدُ اَنَّكَ بابُ الْمَوْلى اَدَّيْتَ عَنْهُ وَاَدَّيْتَ اِلَيْهِ ما خالَفْتَهُ وَلا خالَفْتَ عَلَيْهِ، قُمْتَ خاصّاً وَانْصَرَفْتَ سابِقاً جِئْتُكَ عارِفاً بِالْحَقِّ الَّذي اَنْتَ عَلَيْهِ، واَنَّكَ ما خُنْتَ في التَّأدِيَةِ وَالسَّفارَةِ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ باب ما اَوْسَعَكَ وَمِنْ سَفير ما آمَنَكَ وَمِنْ ثِقَة ما اَمْكَنَكَ، اَشْهَدُ اَنَّ اللهَ اخْتَصَّكَ بِنُورِهِ حَتّى عايَنْتَ الشَّخْصَ فَاَدَّيْتَ عَنْهُ وَاَدَّيْتَ اِلَيْهِ .
ثمّ ترجع فتبتدئ بالسّلام على رسول الله الى صاحِب الزّمان (عليهم السلام) ثمّ تقول :
جِئْتُكَ مُخْلِصاً بِتَوْحيدِ اللهِ وَمُوالاةِ اَوْلِيائِهِ وَالْبَراءَةِ مِنْ اَعْدآئِهِمْ وَمِنَ الّذينَ خالَفُوكَ يا حُجَّةَ الْمَوْلى وَبِكَ اِلَيْهِمْ تَوَجُّهي وَبِهِمْ اِلىَ اللهِ تَوَسُّلي . ثمّ تدعُو وتسأل الله ما تُحِبّ تجب ان شاء الله تعالى .
أقول : وينبغي ايضاً أن يُزار في بغداد الشّيخ الاجلّ الافخم ثقة الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني عطّر الله مرقده، وقد كان زعيم الشّيعة وأوثقهم وأثبتهم في الحديث، وقد صنّف كتاب الكافي في خلال عشرين سنة وهو الكتاب القيّم الّذي تقرّ به عُيون الشّيعة، وهو منّة منّ بها على الشّيعة ولا سيّما رجال الّدين منهم، وقد عدّه ابن الاثير مجدّد مذهب الاماميّة في بدء القرن الثّالث بعدما عدّ مولانا ثامن الائمة صلوات الله عليه مجدّداً للمذهب في القرن الثّاني، ونحن قد عددنا في كتاب هديّة الزّائر أغلب العلماء المدفُونين في المشاهد الشّريفة فليرجع اليه من شاء .
اعلم انّ من وظائف الزّوار في مدينة الكاظمين التّوجّه الى المدائن لزيارة عبد الله الصّالح سلمان المحمّدي رضوان الله عليه وهو اوّل الاركان الاربعة، وقد خصّه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : سَلْمانُ مِنّا اَهْلَ الْبَيْتِ، فجعله في زُمرة أهل بيت النّبوة والعصمة، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ايضاً في فضله : سَلْمانُ بَحْرٌ لا يُنْزَفُ وَكَنْزٌ لا يَنْفَدُ سَلْمانُ مِنّا اَهْلَ الْبَيْتِ يُمْنَحُ الْحِكْمَةَ وَيُؤْتَى الْبُرْهانَ . وشبّهه أمير المؤمنين (عليه السلام) بلقمان الحكيم، بل عدّه الصّادق (عليه السلام)أفضل منه، وعدّه الباقر (عليه السلام)من المتوسّمين، ويستفاد من الاحاديث انّه كان يعرف الاسم الاعظم، وانّه كان من المحدَّثين (بفتح الدّال) وانّ للايمان عشر مراتب وهُو قد نال المرتبة العاشرة، وانّه كان يعلم الغيب والمنايا، وانّه كان قد أكل وهو في الدّنيا من تحف الجنّة، وانّ الجنّة كانت تشتاق اليه وتعشقه، وانّه كان يحبّه الله ورسوله، وانّ الله تعالى قد أمر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحُبّ أربعة كان سلمان أحدهم، وانّه قد نزل في الثّناء عليه وعلى أقرانه آيات من القرآن الكريم، وانّ جبرئيل كان اذا هبط على النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم)يأمره أن يبلغ سلمان سلاماً عن الله تعالى ويطلعه على علم المنايا والبلايا والانساب، وانّه كان له ليلاً مجلس يخلو فيه برسُول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وانّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)قد علّماه من علم الله المخزون المكنُون ما لا يطيق حمله سواه، وانّه قد بلغ مبلغاً شهد في حقّه الصّادق (عليه السلام) قائلاً : اَدْرَكَ سَلْمانُ الْعِلْمَ الاَْوَّلَ وَالْعِلْمَ الاْخِرَ وَهُوَ بَحْرٌ لا يُنْزَحُ وَهُوَ مِنّا اَهْلَ الْبَيْتِ . وحسب الزّائر ترغيباً في زيارته التّأمّل في اختصاص سلمان وانفراده بين الصّحابة والامّة بمنقبة عظيمة هي انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) طوى المسافة بين المدينة والمدائن في ليلة واحدة فحضر جنازته وباشر بنفسه غُسله وتكفينُه ثمّ صلّى عليه بصُفُوف من الملائكة، فعاد الى المدينة في ليلته، فيا له من الشّرف الرّفيع ولاءُ آل الرّسول وحبّهم حيث يبلغ به المرء مثل هذه الدّرجة الرّفيعة والمرتبة السّامية .
وأمّا في صفة زيارته فاعلم انّ السّيد ابن طاوُس قد ذكر له في مصباح الزّائر أربع زيارات ونحن نقتصر هُنا بالاُولى من تلك الزّيارات، وقد أثبتنا الزّيارة الرّابعة منها في كتاب الهديّة، وقد أوردها الشّيخ أيضاً في التّهذيب، فاذا شئت زيارته فقف على قبره مستقبل القبلة وقُل :
اَلسَّلامُ عَلى رَسُولِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ خاتَمِ النَّبِيَّينَ، اَلسَّلامُ عَلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ سَيِّدِ الْوَصِيّينَ، اَلسَّلامُ عَلى الاَْئِمَّةِ الْمَعْصُومينَ الرّاشِدينَ، اَلسَّلامُ عَلى الْمَلائِكَةِ الْمُقَرّبينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا صاحِبَ رَسُولِ اللهِ الاَْمينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اَميرِ الْمُؤْمِنينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا مُودَعَ اَسْرارِ السَّادَةِ الْمَيامينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بَقِيَّةَ اللهِ مِنَ الْبَرَرَةِ الْماضينَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَشْهَدُ أنَّكَ اَطَعْتَ اللهِ كَما اَمَرَكَ، وَاتَّبَعْتَ الرَّسُولَ كَما نَدَبَكَ، وَتَوَلَّيْتَ خَليفَتَهُ كَما اَلْزَمَكَ، وَدَعَوْتَ اِلَى الاِْهْتِمامِ بِذُرِّيَّتِهِ كَما وَقَفَكَ، وَعَلِمْتَ الْحَقَّ يَقيناً وَاعْتَمَدْتَهُ كَما اَمَرَكَ، اَشْهَدُ أنَّكَ بابُ وَصِيِّ الْمُصْطَفى، وَطَريقُ حُجَّةِ اللهِ الْمُرْتَضى، وَاَمينُ اللهِ فيـما اسْتُوْدِعْتَ مِنْ عُلُومِ الاَْصْفِياءِ، اَشْهَدُ اَنَّكَ مِنْ اَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ النُّجَباءِ الُْمخْتارينَ لِنُصْرَةِ الْوَصِيِّ، اَشْهَدُ اَنَّكَ صاحِبُ الْعاشِرَةِ وَالْبَراهينِ وَالدَّلائِلِ الْقاهِرَةِ، وَاَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكاةَ، وَاَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَاَدَّيْتَ الاَْمانَةَ وَنَصَحْتَ للهِ وَلِرَسُولِهِ، وَصَبَرْتَ عَلَى الاَْذى في جَنْبِهِ حَتّى أتاكَ الْيَقينُ، لَعَنَ اللهُ مَنْ جَحَدَكَ حَقَّكَ وَحَطَّ مِنْ قَدْرِكَ، لَعَنَ اللهُ مَنْ آذاكَ في مَواليكَ، لَعَنَ اللهُ مَنْ اَعْنَتَكَ في اَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ، لَعَنَ اللهُ مَنْ لامَكَ في ساداتِكَ، لَعَنَ اللهُ عَدُوَّ آلِ مُحَمَّد مِنَ الْجِنِّ وَالاِْنْسِ مِنَ الاَْوَّلينَ وَالاْخِرينَ وَضاعَفَ عَلَيْهِمُ الْعَذابَ الاَْليمَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِاللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ يا صاحِبَ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَعَلَيْكَ يا مَوْلى اَميرِ الْمُؤْمِنينَ وَصَلَّى اللهِ عَلى رُوحِكَ الطَّيِّبَةِ، وَجَسَدِكَ الطّاهِر وَألْحَقْنا بِمَنِّهِ وَرأفَتِهِ اِذا تَوَفّانا بِكَ وَبِمَحَلِّ السّادَةِ الْمَيامينَ وَجَمَعَنا مَعَهُمْ بِجِوارِهِمْ في جَنّاتِ النَّعيِمِ، صَلَّى اللهِ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلى اِخْوانِكَ الشّيعَةِ الْبَرَرَةِ مِنَ السَّلَفِ الْمَيامينَ، وَادْخَلَ الرُّوحَ وَالرِّضْوانَ عَلَى الْخَلَفِ مِنَ الْمُؤْمِنينَ، وَالْحَقْنا وَاَيّاهُمْ بِمَنْ تَوَلاّهُ مِنْ الْعِتْرَةِ الطّاهِرينَ، وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِمُ اَلسَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ .
ثمّ اقرأ اِنّا اَنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ سبع مرّات ثمّ صلّ مندُوباً ما بدا لك .
أقول : فاذا عزمت على الانصراف من زيارته فقِف عليه مودّعاً وقُل ما ذيّل به السّيد زيارته الرّابعة وهُوَ : اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا عَبْدِ اللهِ، اَنْتَ بابُ اللهِ الْمُؤْتى مِنْهُ وَالْمَأخُوذُ عَنْهُ، اَشْهَدُ اَنَّكَ قُلْتَ حَقّاً وَنَطَقْتَ صِدْقاً، وَدَعَوْتَ اِلى مَوْلايَ وَمَوْلاكَ عَلانِيَةً وَسِرّاً، اَتَيْتُكَ زائِراً وَحاجاتي لَكَ مُسْتَوْدِعاً، وَها اَنَا ذا مُوَدِّعُكَ، اَسْتَوْدِعُكَ ديني وَاَمانَتي وَخَواتيمَ عَمَلي وَجَوامِعَ اَمَلي اِلى مُنْتَهى اَجَلي، وَاَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، وَصَلَّى اللهُ عَلى مُحَمَّد وَآلِهِ الاَْخْيارِ . ثمّ ادعُ كثيراً وانصرف .
أقول : اذا فرغ الزّائر من زيارة سلمان (رحمه الله) فعليه وظيفتان :
الاُولى : الصّلاة ركعتين أو اكثر عند طاق كسرى فقد صلّى هُناك أمير المؤمنين (عليه السلام) ، روي عن عمّار السّاباطي قال : قدم أمير المؤمنين (عليه السلام)المدائن ونزل أيوان كسرى وكان معه دلف بن بحير ، فلمّا صلّى قام وقال لدلف : قُم معي، وكان معه جماعة من أهل ساباط، فما زال يطوف منازل كسرى ويقول لدلف : كان لكسرى في هذا المكان كذا وكذا ويقول دلف : هو والله كذا، حتّى طاف المواضِع بجميع من كان عنده ودلف يقول : يا سيّدي ومولاي كأنّك وضعت هذه الاشياء في هذه المساكن .
وروي انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مرّ على المدائن فلمّا رأى آثار كسرى ، قال رجل ممّن معه :
جَرَتِ الرِّياحُ عَلى رُسُومِ دِيارِهِمْ فَكَاَنَّهُمْ كانُوا عَلى ميعاد
فقال (عليه السلام) : أفلا قُلت : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّات وَعُيُون * وَزُرُوع وَمَقام كَريم * وَنَعْمَة كانُوا فيها فاكِهينَ * كَذلِكَ وَاَوْرَثْناها قَوْماً آخَرينَ * فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالاَْرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرينَ) ثمّ قال (عليه السلام) : اِنَّ هـؤلاءِ كانُوا وارِثينَ، فَاَصْبَحُوا مَوْرُوثينَ لَمْ يَشْكُرُوا النِّعْمَةَ فَسُلِبُوا دُنْياهُمْ بِالْمَعْصِيَةِ، اِيّاكُمْ وَكُفْرَ النِّعَمِ لا تَحُلُّ بِكُمُ النِّقَمُ .
أقول : قد نظم الحكيم الخاقاني بالفارسيّة في شأن الايوان قائلاً :
هان اى دل عبرت بين از ديده نظر كن هان ايوان مدائن را آيينه عبرت دان
پرويز كه بنهادى بر خوان تره زرّين زرّين تره كو برخوان رو كَمْ تَرَكُوا برخوان
الثّانية : أن يزور حُذيفة بن اليمان وهُو من كبار صحابة رسُول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن خواصّ أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)وكان في الصّحابة يمتاز بمعرفة المنافقين ومعرفة اسمائهم، وكان الخليفة الثّاني لا يصلّي على جنازة لم يحضرها حذيفة